إنّي ذكرْتُكِ، بالزّهراء، مشتاقا
|
والأفقُ طلقٌ ومرْأى الأرض قد راقَا
|
وَللنّسيمِ اعْتِلالٌ، في أصائِلِهِ
|
كأنهُ رَقّ لي، فاعْتَلّ إشْفَاقَا
|
والرّوضُ، عن مائِه الفضّيّ، مبتسمٌ
|
كما شقَقتَ، عنِ اللَّبّاتِ، أطواقَا
|
يَوْمٌ، كأيّامِ لَذّاتٍ لَنَا انصرَمتْ
|
بتْنَا لها، حينَ نامَ الدّهرُ، سرّاقَا
|
نلهُو بما يستميلُ العينَ من زهرٍ
|
جالَ النّدَى فيهِ، حتى مالَ أعناقَا
|
كَأنّ أعْيُنَهُ، إذْ عايَنَتْ أرَقى
|
بَكَتْ لِما بي، فجالَ الدّمعُ رَقَرَاقَا
|
وردٌ تألّقَ، في ضاحي منابتِهِ
|
فازْدادَ منهُ الضّحى ، في العينِ، إشراقَا
|
سرى ينافحُهُ نيلوفرٌ عبقٌ
|
وَسْنَانُ نَبّهَ مِنْهُ الصّبْحُ أحْدَاقَا
|
كلٌّ يهيجُ لنَا ذكرَى تشوّقِنَا
|
إليكِ، لم يعدُ عنها الصّدرُ أن ضاقَا
|
لا سكّنَ اللهُ قلباً عقّ ذكرَكُمُ
|
فلم يطرْ، بجناحِ الشّوقِ، خفّاقَا
|
لوْ شاء حَملي نَسيمُ الصّبحِ حينَ سرَى
|
وافاكُمُ بفتى ً أضناهُ ما لاقَى
|
لوْ كَانَ وَفّى المُنى ، في جَمعِنَا بكمُ
|
لكانَ منْ أكرمِ الأيّامِ أخلاقَا
|
يا علقيَ الأخطرَ، الأسنى ، الحبيبَ إلى
|
نَفسي، إذا ما اقتنَى الأحبابُ أعلاقَا
|
كان التَّجاري بمَحض الوُدّ، مذ زمَن
|
ميدانَ أنسٍ، جريْنَا فيهِ أطلاقَا
|
فالآنَ، أحمدَ ما كنّا لعهدِكُمُ
|
سلوْتُمُ، وبقينَا نحنُ عشّاقَا!
|
هو
أبو الوليد أحمد بن عبدالله بن أحمد بن غالب بن زيدون القرطبي (394 ـ 463هـ/ 1003
ـ 1070م) هو الشاعر الكبير والناثر الفذ والأديب الذي يقف في مقدمة الصف الأول بين
شعراء الأندلس وأدبائها، وهو منهم في مكان الصدارة. وهو سليل أسرة اشتهر أفرادها
بالعلم والأدب، وكانت هذه الأسرة تنتمي إلى أصل رفيع، إذ تنتسب لمخزوم من بطون
قبيلة قريش. كان والده فقيهاً ذا مكانة علمية ودينية محترمة حملت حكام قرطبة على
تعيينه مستشاراً لقاضي قرطبة في شؤون القضاء والدين. ومع ذلك فإنّ مكانة ابن زيدون
الأب كانت تقوم على مكانته العلمية ومنزلته الدينية قبل كل شيء. واهتم هذا الفقيه
العظيم بابنه منذ نعومة أظفاره، فأحضر له الأدباء والمثقفين، ووصله بالعلماء
والفقهاء من أصحابه، وكان هو نفسه أول أساتذته، إذ كان متفنناً في ضروب العلم،
جَمّ الرواية والمعرفة باللغة والآداب، على أنّ تلمذته له لم تطل، فقد توفي وابنه
في الحادية عشرة من عمره سنة (405 هـ /1014م.
نشأ ابن زيدون في قرطبة
وطلب الأدب وبرع فيه، وذاع صيته بالمهارة في نظم الشعر. وشق ابن زيدون طريقه في
الأوساط الثقافية والأدبية مستخدماً نبوغه الأدبي وكفاءته الشعرية لارتقاء سلم
المجد الأدبي والاجتماعي.
عاش ابن زيدون حياة الصبا
في قرطبة في أحلك عهودها وأظلم عصورها في عهد غروب شمس الخلافة الأموية وزوال
نورها وانطفاء نجمها، فترة التناحر على الخلافة وإثارة الفتن وبعث الاضطرابات
وانتشار الدسائس والانقلابات.
وأسهم ابن زيدون في تأسيس
الدولة الجهورية بقرطبة، وتولى فيها أرقى المناصب، ولكن الدسائس قد لاحقته فأفسدت
ما بينه وبين مؤسسها أبي الحزم بن جهور، فألقى به في السجن زهاء عام ونصف، وأصم
أذنيه عن توسلاته، ففر من سجنه ولكنه تابع توسلاته إليه، والاستشفاع بأصدقائه، حتى
ظفر بالعفو عنه. وبعد وفاة أبي الحزم وتولي أبي الوليد زمام الحكم في قرطبة دخل
ابن زيدون في خدمة هذا الأخير، وقد ساعدته صلته بالأمير أبي الوليد وقابلياته
الأدبية على أن يجد له محلاً في مناصب دولته، وعلت منزلته لديه، فعُيّن في ديوان
أهل الذمة ردحاً من الزمن، بيد أنّ الحال لم يدم على هذه العلاقة الطيبة فتوترت
العلاقة بينهما، غير أنّ أبا الوليد بن جهور عفا عنه وأعاده إلى مكانته ثم اتخذه
سفيراً إلى عدد من ملوك الطوائف.
وكثر أصدقاؤه بين ملوك عصره وشعرائهم، ويدور في ديوانه شعر يتصل بِهذه السفارات والرحلات ومن تعرَّف عليهم من الملوك والوزراء.
وكثر أصدقاؤه بين ملوك عصره وشعرائهم، ويدور في ديوانه شعر يتصل بِهذه السفارات والرحلات ومن تعرَّف عليهم من الملوك والوزراء.
وقد ترك ابن زيدون ذخيرة
أدبية من أروعها وأصدقها ما أنشده خلال الأزمات التي عصفت به.
وكان ابن زيدون أديباً
فصيحاً بليغاً فطمع كل ملك في اجتذابه إلى بلاطه غير أنّه فضّل الإقامة في بلاط
المعتضد فسار إلى إشبيلية سنة (441 هـ ـ 1049م)، إذ كان أشدَّ ملوك الطوائف رغبة
فيه، وأكثرهم تمسّكاً بالأدباء، وكان المعتضد شاعراً، فزاد الشعر ابن زيدون قيمة
في نظره. واستراحت نفس ابن زيدون عند المعتضد، وأعلى المعتضد مكانته وقرب مجلسه
وأدناه، فألقى إليه مقاليد وزارته، وأصبح صاحب أمره ونهيه.
ففي إشبيلية بدأ الشاعر حياة جديدة وصل فيها إلى أعلى درجات المجد الأدبي والاجتماعي والسياسي. ففي إشبيلية برز ابن زيدون، فلم يعد شاعراً فقط، بل أصبح شخصية بارزة من شخصيات الدولة الإشبيلية وحصل على اللقب الرفيع «ذو الوزارتين» الذي لم يكن يمنح إلاّ لأرفع شخصية في الدولة وأقربها إلى الملك والحاكم. ومن المؤكد أنّ دور ابن زيدون في بلاط المعتضد في هذه الفترة الطويلة التي امتدت عشرين عاماً لم يكن دور شاعر بسيط، ولا حتى دور كاتب مقرّب، وإنّما كان الوزير الأول للمعتضد ومحل ثقته واعتماده ومساعده الأيمن.
فقد أقام ابن زيدون في كنف المعتضد مدة فجاء جانب من شعره سجلاً حافلاً ببعض حوادثه الجسام. ولم يترك ابن زيدون مناسبة عيد إلاّ انتهز الفرصة لمدح المعتضد، وبيان سياسته الحصيفة وحروبه المظفرة على خصومه.
ففي إشبيلية بدأ الشاعر حياة جديدة وصل فيها إلى أعلى درجات المجد الأدبي والاجتماعي والسياسي. ففي إشبيلية برز ابن زيدون، فلم يعد شاعراً فقط، بل أصبح شخصية بارزة من شخصيات الدولة الإشبيلية وحصل على اللقب الرفيع «ذو الوزارتين» الذي لم يكن يمنح إلاّ لأرفع شخصية في الدولة وأقربها إلى الملك والحاكم. ومن المؤكد أنّ دور ابن زيدون في بلاط المعتضد في هذه الفترة الطويلة التي امتدت عشرين عاماً لم يكن دور شاعر بسيط، ولا حتى دور كاتب مقرّب، وإنّما كان الوزير الأول للمعتضد ومحل ثقته واعتماده ومساعده الأيمن.
فقد أقام ابن زيدون في كنف المعتضد مدة فجاء جانب من شعره سجلاً حافلاً ببعض حوادثه الجسام. ولم يترك ابن زيدون مناسبة عيد إلاّ انتهز الفرصة لمدح المعتضد، وبيان سياسته الحصيفة وحروبه المظفرة على خصومه.
وظل ابن زيدون في بلاط
المعتضد مرعي الجانب كريم المنزلة متقلّداً للوزارة لدى المعتضد حتى توفي الأخير
وتولى بعده ابنه المعتمد الذي زاد في إكرام ابن زيدون. فقد أبقى المعتمد ابن زيدون
أنيساً وجليساً، وكان لتصرفه في شؤون النظم يتبادل القصائد معه. ولقد سعى حساد ابن
زيدون وخصومه في إسقاطه عن مكانته وإبعاده عن بلاط بني عباد، حتى أشار بعضهم على
المعتمد أن يرسل ابن زيدون لتهدئة الثائرة التي قام بِها العامة ضد اليهود في
إشبيلية، فسار ابن زيدون على رأس الحملة على مضض وقد أثقلته الأمراض وأوهنت جلده
الأسقام ليلفظ أنفاسه الأخيرة في رجب (463هـ/1070)م
إرسال تعليق