0


قراءة نقدية في مفهوم الخدمات ودورها الاقتصادي

      يقول آدم سميث: "الخدمات نشاط غير منتج لأي قيمة"، وقد رد عليه بعد سنوات ديفيد ريكاردو موضحاً أن العديد من السلع لا يمكن أن تجد مكانها في السوق لولا العديد من العمليات الخدمية غير الملموسة. سميث الذي أوضح أن للشيء قيمتين الأولى تسمى قيمة استعمالية والثانية تسمى قيمة تبادلية، سميث اعتبر أن للخدمات فقط قيمة استعمالية لكنها تفتقد إلى القيمة التبادلية ومن هنا جاء استنتاجه بأن الخدمات لا ينتج عنها أي قيمة.



     وبعد أن توصل الباحثون الاقتصاديون بما لا يقبل للشك أن الخدمات تمثل قطاعاً اقتصادياً كبيراً، بدأت تتركز الدراسات والأبحاث على هذا القطاع الهام. فالمتخصصون في مجال الإدارة بدؤوا بالدراسة وتقديم الأوراق التي تناقش الفروقات الجوهرية بين المنتجات السلعية والمنتجات الخدمية وبدأ البحث في كيفية التمييز بين السلع والخدمات واتفق الباحثون على أن النقاط التالية تمثل أبرز معالم التمييز بينهما، وهذه النقاط هي:
الخاصية
السلع
الخدمات
الملموسية
قابلة للمس
غير قابلة للمس
التخزين
قابلة للتخزين
غير قابلة للتخزين
الملكية
يمكن امتلاكها
يمكن امتلاك وسائل تقديمها
الاستخدام
تستخدم مرات عدة بعد عملية شراء واحدة
إعادة استخدامها يتطلب شرائها مرة جديدة
التلازم
من غير الضروري التواصل بين المنتج والمستهلك
التواصل شبه حتمي بين منتج أو مقدم الخدمة ومستهلكها
المتغيرية
لا تتغير مواصفاتها بتغير المكان أو الزمان(ضمن فترة الصلاحية طبعاً)
يجب أن تقدم بما يناسب المكان وأيضاً الزمان

      هذه أهم الخصائص التي تميز بين السلع والخدمات. ومن هنا بدأ البحث لتوصيف واجبات الإدارات الوظيفية في المنظمات التي تنتمي إلى قطاع الخدمات.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، على إدارة الإنتاج في تلك المنظمات أن توفر في منتجاتها (خدماتها) في ضوء المنافسة الشديدة بعض الدلائل والتلميحات التي يتم استيعابها وفهمها بشكل ملموس من قبل المستهلك كي يتمكن من المقارنة بين الخدمات المتماثلة المقدمة في السوق، فكيف لأحد السائحين الذي يرغب الحجز للإقامة في أحد الفنادق لمدة خمسة أيام مثلاً كيف له أن يقرر الحجز في الفندق A أو في  الفندق B  فمن غير المعقول أن يقدم الفندق فرصة الإقامة لليلة واحدة مجاناً عل سبيل التجربة ليقرر بعدها الزائر الإقامة في الفندق من عدمه. هنا يجب اللجوء إلى تلك التلميحات التي تحدثنا عنها آنفاً ومنها: حسن الاستقبال، ونظافة صالة الانتظار والزجاج، وأناقة وحسن هندام العاملين في الفندق، والابتسامة التي لا تفارق العاملين والإداريين.
ما سبق ذكره يمثل فقط مؤشرات تعكس جودة الخدمة المقدمة في هذا الفندق أو ذاك، ولكن المشكلة تكمن في إدراك الزائر لهذه المؤشرات والتلميحات وهذا لا يمكن التحكم به إذ توجد عوامل تعتبر حاكمة للإدراك لا يمكن السيطرة عليها من قبل إدارة الفندق لأنها ترتبط بطرف خارجي يتمثل بالزائر (العميل المرتقب)، منها العادات والتقاليد والثقافة والشخصية والبيئة الاجتماعية. ومن أجل عدم الوقوع في فخ مشكلات الإدراك لدى الزائر يجب أن تحرص إدارة الفندق عل تقديم خدماتها وفق مبادئ الجودة الشاملة.
بالنسبة لإدارة التسويق توصل الباحثون إلى أن المزيج التسويقي للسلع يختلف عن المزيج التسويقي للخدمات كما بات معروفاً للجميع، وللتذكرة فإن:
عناصر المزيج التسويق للسلع: المنتج، السعر، التوزيع، الترويج
أما عناصر المزيج التسويقي للخدمات: المنتج، السعر، التوزيع، الترويج، الجمهور، الدليل المادي، العملية الإدارية
وهنا توجد إشكالية كبيرة نظهرها على سبيل المثال في مجال عنصر السعر، فالسعر الذي يدفعه المستهلك لقاء السلع يتم بعد المشاهدة والفحص والمعاينة وأحياناً التجربة أيضاً، فتلك الوسائل تؤدي إلى رفع قدرة المستهلك على تحديد مدى المنفعة التي سوف يحصل عليها مقابل السعر الذي يدفعه في تلك السلعة. أما في الخدمات فما هو الشيء الذي يساعد المستهلك على تحديد مقدار المنفعة التي سيحصل عليها لقاء شراء الخدمة بالسعر المحدد لها.
هنا نعود إلى موضوع التلميحات التي تؤدي إلى رفع مقدار المنفعة التي سوف يحققها المستهلك لقاء تلك الخدمة، ويجب الحرص عند انتقاء تلك التلميحات فلا مجال للتنبؤ بمستوى إدراك المستهلك للعلاقة بين السعر والمنفعة فطالما الأمر يتعلق بالمال فمستوى الإدراك مرتفع جداً (ضمن فرضية توفر الرشد والعقلانية لدى المستهلك). إن التسويق في منظمات قطاع الأعمال نشاط ينطلق من العميل أي أن العميل هو نقطة الارتكاز وهو نقطة الانطلاق وهو أيضاً الهدف، منه تستلهم الإدارة الأفكار الإبداعية والابتكارية في عناصر المزيج التسويقي كلها.
إن الاستثمار في مجال منظمات قطاع الخدمات يحقق قيمة مضافة عالية وسريعة، ومما يميز هذه الاستثمارات أن فترة استرداد رأس المال المستثمر قصيرة نسبياً مقارنة مع الاستثمارات في مجال الصناعات التقليدية، والسؤال المطروح الآن هل الدور الاقتصادي لمنظمات قطاع الخدمات متشابه ومتماثل في الدول المتقدمة والدول النامية؟؟.
إن الإجابة على هذا التساؤل تكون وبشكل جازم لا، إذ أن هناك فرق شاسع في هذا الدور، ففي الدول المتقدمة إن أنشطة منظمات قطاع الخدمات تؤدي إلى إعادة تنظيم وتوزيع الثروة في المجتمع من خلال العلاقة المتكاملة فيما بينها من جهة وكذلك التكامل مع أنشطة القطاعات الأخرى من جهة ثانية، وهذا التكامل يكون باتجاهين أمامي وخلفي.
أما في الدول النامية فإن أنشطة منظمات قطاع الخدمات تؤدي إلى تركز الثروة بسبب افتقادها لخاصية التكامل فيما بينها وعدم التكامل مع أنشطة القطاعات الأخرى مما يؤدي إلى تركيز الثروة في أيدي المستثمرين وعدم توزعها في المجتمع بشكل واسع.

فعلى سبيل المثال شركة DHL لخدمات النقل:




نجد أنها تؤمن خدمات النقل البحري والبري والجوي مما يؤمن التكامل في قطاع خدمات النقل بمختلف أشكاله لا بل أكثر من ذلك فإن هذا التكامل يظهر أيضاً بين قطاع خدمات النقل وقطاع التجارة (المحلي والدولي والعابر للقارات وكذلك الترانزيت). أما في المقلب الآخر في الدول النامية فنلاحظ صعوبة التواصل ضمن قطاع الخدمات الواحد إذ يلاحظ ضعف التنسيق والتكامل في مجال النقل البري والبحري والجوي وإن وجد فهو ضعيف جداً وغير منظم هذا بالإضافة إلى انعدام التكامل مع القطاعات الأخرى بشكل كامل وهذا مرده إلى سوء التخطيط والإدارة، وضعف الاستثمارات الموظفة في هذا المجال.

إرسال تعليق

 
Top